المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


عاشوراء/خطابات الامين العام

كلمة الامين العام في اليوم العاشر من شهر محرم الحرام 1426هـ (19-2-2005)

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف الخلق سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابه المنتجبين وجميع الانبياء والمرسلين منذ آدم الى قيام يوم الدين.‏

السلام عليكم ايها الاخوة والاخوات ورحمة الله وبركاته...‏‏

في هذا اليوم العاشورائي العظيم اجتمعنا هنا هذا العام لحماية المقاومة وحماية الوطن. بالمقاومة يُحمى الوطن، وبالوحدة الوطنية وبالتآلف والتلاقي يُحمى الوطن. المقاومة درع هذا الوطن وحصنه، إلى جانب الجيش والدولة والشعب. أتينا الى هنا لنؤكد من خلال هذا الحشد البشري الكبير والصادق، التزامنا بهذا الخيار الذي نؤمن به من موقع الوعي ومن موقع المسؤولية، ولا نمارسه من موقع العادة أو الهواية أو المزاج أو الحماسة أو الانفعال الشخصي. ولنؤكد للعالم أن المقاومة حاضرة في وجدان شعبها وفي وجدان أمتها، وأن هذه المقاومة هي خيار شعبنا وأمتنا. ومهما وصفها الأعداء والطغاة والمستكبرون بالإرهاب، فلن يستطيعوا أن يمسوا بقداستها وبوجدانها وبحضورها المقدس في عقول وقلوب شعوب هذه الأمة.‏‏

لو أذن لشعوبنا العربية والإسلامية أن تخرج إلى الشارع لتقول كلمتها في المقاومة، المقاومة الخط والخيار والطريق والرؤية والاستراتيجية، لخرج عشرات الملايين، بل مئات الملايين الذين قد تفرقهم مسائل كثيرة، ولكن في هذا الزمن يوحدهم إيمانهم واعتزازهم وافتخارهم بالمقاومة، وقناعتهم بأن الخيار الوحيد المتاح أمام هذه الأمة لاستعادة أرضها المحتلة ومقدساتها المغتصبة وكرامتها المهانة، هو المقاومة وحدها، وليس هناك أي طريق آخر ولا خيار آخر.‏‏

هذا الحضور رد على كل مساعي الصهاينة لمحاصرة المقاومة وعزلها. طول السنوات الماضية كان حضوركم وحضور أبنائكم في ساحات الجهاد، وكان احتضانكم للمقاومة يفشل كل أساليب العدو في ضربها وعزلها ومحاصرتها عسكرياً وأمنياً وشعبياً. اليوم نقول للصهاينة الذين يقبلون أعتاب عواصم العالم ليضعوا مقاومتنا في لبنان والمقاومة في فلسطين على لوائح الإرهاب: ستفشلون من جديد.. إن وضعنا على لوائح الإرهاب لن يضعف من إيماننا ولا من عزمنا ولا من وعينا ولا من قناعتنا، بل سيزيدنا إيماناً وقناعة بصوابية هذا الطريق الذي نستمد فيه المعنوية والقوة والإرادة من الله ربّ العالمين، وليس من أي أحد في هذا العالم.‏‏

جميعاً نقول اليوم للصهاينة: ستفشلون وتحبطون.. نحن أمة خرجنا من الهوان والذل والسكوت والقعود، واخترنا أن ندافع بدمائنا بأنفسنا بأبنائنا وبأشلائنا عن كرامتنا ومقدساتنا. نحن أمة رسول الله وحفيد رسول الله التي كان شعارها وسيبقى شعارها "هيهات منا الذلة". اليوم في لبنان، في فلسطين، في العراق، على امتداد الأمة، هذه أمة لن تقبل بالذل، لن تقبل بالاحتلال، لن تقعد، وستمارس مسؤولياتها التاريخية مهما تطلبت هذه المسؤولية من تضحيات.‏‏

في هذا العام يشغلنا الوضع اللبناني بشدة ويضع البلد كله على خط القلق، ويحملنا جميعاً في لبنان، القوى السياسية والدولة والموالاة والمعارضة والطوائف والأحزاب والفئات وأفراد شعبنا واحداً واحداً، مسؤولية استثنائية وتاريخية وكبيرة عن المرحلة التي نعيشها. ونحن بالتأكيد مدعوون لتحمل هذه المسؤولية بعيداً عن الانفعالات والعواطف والعصبيات الحزبية والمذهبية والطائفية والمناطقية، لأنه لا سمح الله لو انهار السقف سينهار على رؤوس الجميع، ولو ذهبنا إلى الخراب فإن الجميع سيكون خاسراً، ولن يكون هناك رابح إذا تركنا الساحة لانفعالاتنا وغضبنا وعواطفنا، أو إذا اعتبر أي واحد منا أن الفرصة مؤاتية للاقتناص على مستوى المكاسب والمغانم الشخصية أو الفئوية.‏‏

اليوم نحن مسؤولون عن وطن خرج من الحرب الأهلية وأنجز سلماً أهلياً وتسوية سياسية وانتصاراً تاريخياً على "إسرائيل"، العدو الذي طالما ألحق الهزيمة بهذه الأمة.. ولكننا أمام مشكلات حادة خصوصاً في هذا العام وفي الأشهر الأخيرة. هنا أريد أن أشير إلى عدة نقاط:‏‏

أولاً: كلنا في لبنان في هذه الأيام يقف أمام هول ما حصل في الأيام الأخيرة من حادث دموي أدى إلى استشهاد الرئيس رفيق الحريري وجملة من مرافقيه ومن المواطنين اللبنانيين في العاصمة بيروت. اليوم مطلوب تعاطٍ مسؤول مع هذه القضية بما يطمئن عائلته وبما يطمئن محبيه، وبما يطمئن كل الشعب اللبناني. مطلب التحقيق الجدي والصادق والمخلص والأمين والسريع والمتابعة المسؤولة لهذا الملف، ليس مطلب فئة أو طائفة أو مجموعة من اللبنانيين، هو موضع إجماع وطني، وهو مسؤولية وطنية كبرى. المسارعة والجدية في حسم هذا الملف يمكنها أن تبعث الطمأنينة والهدوء والسكينة في البلد، ويمكنها أن تبعد الكثير من أشباح الفتنة التي يراد إحضارها إلى لبنان من خلال مواقع دولية، أو من خلال مواقع إقليمية.‏‏

ثانياً: ليس أمامنا كلبنانيين لمعالجة أزماتنا ومشاكلنا سوى أن نتحاور ونلتقي ولو كنا في حالة غضب أو تشنج أو توتر. لا يجوز أن نعيد أخطاء الماضي، يجب أن نستفيد من كل التجارب الماضية. في لبنان خاض اللبنانيون حرباً أهلية، وكانت حرب اللبنانيين على أرضهم، وكانت حرب الآخرين على أرضهم، لم تكن فقط حرب الآخرين على أرضنا، نحن كلبنانيين نسلي أنفسنا أحياناً ونخادع أنفسنا أحياناً أخرى عندما نصف الحرب الأهلية السابقة بأنها كانت حرب الآخرين على أرضنا. لقد كانت حرب الآخرين وكانت حرب اللبنانيين أيضاً بعضهم ضد بعض. في تلك المرحلة اُرتكب خطأ فادح، لم يصغِ اللبنانيون لنداءات الحوار والتلاقي والجلوس التي أطلقها كبار قادة هذا البلد، وفي مقدمهم سماحة الإمام المغيّب القائد السيد موسى الصدر، وآخرون من كبار القادة في لبنان. أصر فريق لبناني على عزل فريق لبناني آخر، ودخل في الحياة السياسية اللبنانية مصطلح الانعزال والقوى الانعزالية.. لم يكن هناك مكان للقاء، ذهبنا جميعاً إلى القتال وإلى الحرب، سنة وسنتين وأكثر، وسقط مئات الآلاف من الضحايا والجرحى، دمرنا بلدنا، وخربنا اقتصادنا، ولكننا في نهاية المطاف وجدنا أنفسنا جميعاً مضطرين للعودة إلى الطاولة، إلى الحوار، إلى النقاش، إلى الجدية في معالجة المسائل سلمياً.. لماذا لم نفعل ذلك منذ البداية؟ أما كنا وفرنا على بلدنا مئات الآلاف من الضحايا والجرحى، وكل هذه الخسائر النفسية والمعنوية والإنسانية والمادية الجسيمة التي لحقت ببلدنا؟!‏‏

لا يرتكب أي منا هذا الخطأ من جديد، لا يجوز من جديد أن يعزل فريق لبناني فريقاً لبنانياً آخر ويقاطعه مهما كانت الخلافات. لا يجوز أن تعزل الموالاة المعارضة، ولا يجوز أن تعزل المعارضة الموالاة، ولا هذه القوة تلك القوة، ولا هذه المجموعة تلك المجموعة. لا خيار أمامنا إذا كنا حريصين على لبنان سوى أن نجلس معاً ونتكلم معاً ونتناقش في خياراتنا ونبحث عن حل. لا التدويل يعالج قضيتنا ومحنتنا في لبنان، بل يزيدها تعقيداً. ولا اللجوء إلى الخارج.. إنني بكل صدق وإخلاص أقدر انفعال وغضب وعواطف بعض القادة السياسيين في لبنان لما جرى من عمليات في الآونة الأخيرة، ما زلنا جميعاً نجهل فاعليها ولا نعرف مرتكبيها. وإنني إذ أقدر هذا الانفعال وهذا الغضب وهذه العاطفة الصادقة، أتوجه إلى كل السادة في المعارضة وعلى رأسهم الزعيم الكبير وليد جنبلاط، وأقول لهم: أيها السادة، أيها الإخوة في بلدنا وفي وطننا، لا يجوز أن نعالج مشكلتنا بمزيد من الانفعال ومزيد من السخط ومزيد من التصعيد. ولا يجوز إن كنتم تصفون ما هو قائم في لبنان بانتداب سوري أن نستبدله بانتداب آخر ـ وأنا لا أريد أن أناقش الآن في هذه التسمية ـ الجميع مدعوّ للّقاء. هذا البلد آمن، بمعنى أن فيه سلماً أهلياً، وإن إرادة أهله هي إرادة تجتنب وتتجنب الذهاب إلى استعمال العنف في حل القضايا السياسية على المستوى الشعبي، ولكن استمرار الوضع القائم بالتأكيد فيه خسائر سياسية واقتصادية ومعنوية ونفسية. اللبنانيون جميعاً قلقون في هذه المرحلة، تعالوا لنوفر كل هذه الخسائر ولنذهب إلى حيث يجب أن نذهب، إلى الطاولة.. وإلى حيث سنذهب في نهاية المطاف، لأنه في هذا البلد أثبتت كل التجارب على مدى القرون الماضية كلها، أنه بلد الجميع، لا يستطيع أحد أن يشطب أحداً، ولا يستطيع أحد أن يلغي أحداً، ولا يستطيع أحد أن يتجاهل أحداً. إذا كانت هذه هي حقائق التاريخ والمجتمع والسياسة والتركيبة اللبنانية، فلماذا لا نستفيد من كل تجارب الماضي؟‏‏

ثالثاً: المخرج الوحيد لما نحن فيه هو أن نذهب إلى الانتخابات. إذا كنا نتحدث عن بلد ديمقراطي ومجتمع ديمقراطي وآليات ديمقراطية لمعالجة المسائل الأساسية في البلد، فلنذهب إلى الانتخابات. دعوا الاستفتاء جانباً، وأنا طرحته فقط من قبيل إن أردتم فنحن موافقون. بالتأكيد ليس هناك مصلحة في لبنان أن يحتكم أي منا إلى الشارع بحسم مسائل أساسية، وخصوصاً أن شارعنا يسارع إلى الخطاب الطائفي والشعارات الطائفية واستحضار الضغائن والأحقاد الطائفية.. إذاً ماذا يبقى أمامنا؟ أمامنا أن نذهب إلى الانتخابات. على هذا الصعيد نحن نطالب بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر، إلا إذا أجمع اللبنانيون على تأجيلها بعض الوقت، فلا نخالف إجماعاً.. ولكن الأصل والصحيح هو إجراء الانتخابات في موعدها المحدد.‏‏

ثانياً: أن يسارع المجلس النيابي إلى حسم قانون الانتخاب، لننتقل إلى مرحلة العملية الانتخابية، تحضيراً وتمهيداً وخوضاً في نهاية المطاف. وأنا أقول باسم حزب الله: في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة، نحن جاهزون لأن نتفهم أي قانون انتخاب يتناسب مع هذه المرحلة، يطمئن اللبنانيين ويرضي اللبنانيين ولا يسخط الكثير منهم، وحاضرون لتأييده وليس فقط لتفهمه، لأن هذه المرحلة الحساسة تتطلب أن نبحث عن نقاط نلتقي فيها، لا أن يتشدد كل منا بما يعتقده، خصوصاً إذا كان أمام خيارات متعددة ومعقولة، ويمكن أن يتنازل الواحد منا فيها للآخر.‏‏

ثالثاً: أريد أن أؤكد أن الذهاب إلى الانتخابات هو الذي يمكن أن يعالج مسألتنا. أؤكد في هذه المناسبة وأدعو اللبنانيين جميعاً إلى الاهتمام البالغ بالانتخابات النيابية المقبلة.. المجلس المقبل هو أهم وأخطر مجلس نيابي ننتخبه منذ عام 1992. هو مجلس سياسي بامتياز، هو مجلس يُراد له ومنه أن يحسم الخيارات السياسية الاستراتيجية الأساسية في لبنان لأربع سنوات، ويمكن لعقود من الزمن، ولذلك لا يجوز أن يتلكأ أي واحد منا أو يعتبر أن هذه الانتخابات كبقية الانتخابات السابقة. وإذا كان هناك خلل ما في تأمين بعض المصالح أو بعض الخدمات ييأس من الانتخابات. لا.. الانتخابات ستأتي بمجلس نيابي يحدد المصير السياسي والاقتصادي والأمني في لبنان، وطناً وشعباً ومؤسسات دولة سنوات طويلة، ولذلك يجب علينا جميعاً، على اللبنانيين جميعاً، على الموالاة والمعارضة، نحن لا نريد أن يتباطأ أحد في هذه المسألة، أن تكون هناك انتخابات هامة وكبيرة، وأن يدرك اللبنانيون أن حضورهم عند صناديق الاقتراع، وأن مشاركتهم الواسعة في الانتخابات لإنتاج مجلس نيابي مسؤول على المستوى الوطني هو أفضل خيار، بل هو خيارهم الوحيد للدخول إلى معالجة أزماتهم الداخلية. لذلك أتمنى أن يلقى هذا الأمر اهتمامكم واهتمام الجميع، وأن لا نواجه بأي قصور أو تقصير على مستوى المقدمات وعلى مستوى التحضير.‏‏

رابعاً: أنا أدعو اللبنانيين من خلال التلاقي والحوار، وحتى لو لم نلتقِ ولم نتحاور، إلى المزيد من التأمل. وحتى لو كنا نحن أهل يقين بثوابتنا، لا يمنع ولو بيننا وبين أنفسنا وفي أطرنا الخاصة، أن نعيد النقاش وأن نعيد ونعيد لعلنا كنا مخطئين في جانب او في زاوية. أنا أدعو اللبنانيين أمام الاستحقاقات الجديدة إلى المزيد من النقاش، وإن لم يلتقوا فإلى النقاش في مجالسهم الخاصة بشكل هادئ ومسؤول، أن لا ننجرف مع شعار، وأن لا نذهب بعيداً مع عاطفة، لأننا قلنا إننا في مرحلة حساسة ومسؤولة جداً. مثلاً عندما يُطرح ويشتد الكلام حول تنفيذ القرار 1559 ونختلف، بعضنا يتصور أن هذا القرار سيحقق للبنان سيادة وحرية واستقلالاً.. تعالوا لأن لا نكتفي بالخطابات، وأن نجلس ليقنع بعضنا بعضاً: كيف يصنع هذا القرار سيادة؟ وكيف يأتينا بالاستقلال؟ وكيف يصنع لنا الحرية؟ في المقابل هناك وجهة نظر أخرى تقول ان هذا القرار يضيع البلد ويخربه ويجعله مرهوناً لقوى دولية ولقوى معادية على المستوى الإقليمي، أعني "إسرائيل" تحديداً. البعض يقول ويستدل إن المطالب المذكورة في القرار 1559 هي مطالب إسرائيلية بالكامل، والإسرائيليون يطالبون بها منذ مدة طويلة من الزمن: نزع سلاح المقاومة التي سُميت بالميليشيات اللبنانية، هذا مطلب إسرائيلي بلا شك. توطين الفلسطينيين في لبنان هو أكبر خدمة مجانية يمكن أن تقدم لـ"إسرائيل" بلا شك، وقد سمعنا أيضاً في الأيام الأخيرة أن شارون الذي دمّر بلدنا والذي ارتكب المجازر في عام 82، وخصوصاً في صبرا وشاتيلا، يضع شرطاً لمعاودة المفاوضات مع سوريا، انسحاب القوات السورية من لبنان. ألا يدعونا هذا إلى بعض التأمل؟ هل واقعاً أصبح شارون وشالوم أحرص على مصالحنا الوطنية وعلى سيادتنا واستقلالنا وحريتنا وسلمنا الأهلي ومؤسساتنا الدستورية في لبنان من كثير من اللبنانيين! هل شارون مصيب في ما يطرحه؟ عدد كبير من اللبنانيين مشتبهون! هل صحيح أن الذين يعارضون الـ1559 هم مجرد دمى أو عملاء! هذه اللغة نحن نرفضها، التخوين نرفضه، ولغة الدمى والعملاء نرفضها، نحن جميعاً لبنانيون معنيون بمصير بلدنا، ومعنيون بأن ندرس وبأن نتأمل وبأن لا نقع في فخ أحد، لا في فخ "إسرائيل" ولا في فخ أميركا ولا في أي فخ يُنصب لنا. قرار الشعب اللبناني في أي مسألة، في العلاقات مع سوريا، في الموقف منها، في الموقف من وجود قواتها على الأراضي اللبنانية أو بعض الأراضي اللبنانية، يجب ان نعالجه من خلال الحوار، أو من خلال مؤسساتنا الدستورية، وليس من خلال التقاتل، ولا الاحتكام إلى الشارع. في لبنان كل الناس عندها شارع، وكل الناس تستطيع أن "تنزل مظاهرات"، فلندع هذا الأمر جانباً ولنتصرف بمسؤولية وبديمقراطية كما ندعي وكما نقول.‏‏

خامساً: في يوم العاشر من المحرم، يجب أن لا ننسى بقية أرضنا المحتلة ومقدساتنا المحتلة وإخواننا المعتقلين في سجون العدو الصهيوني من لبنانيين وفلسطينيين وعرب، لنجدد معهم عهد الجهاد وعهد الشهادة من أجل تحريرهم. ولا بد من أن نتذكر في يوم العاشر حسينياً كبيراً من أبناء الحسين وذرية الحسين المطهرة، أعني الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه الذين ما زلنا نفتقدهم من ساحتنا، والذين نشعر اليوم بأننا أحوج ما نكون إليهم من أي زمن مضى. يجب أن نذكر لنؤكد أن هذه القضية وقضية الإمام الصدر وقضية الإخوة والأخوات المعتقلين في سجون العدو، هي مسؤولية وقضية وطنية وقومية وإسلامية كبرى، ويجب أن لا تغيب عن القول ولا عن الفعل ولا عن ممارسة المسؤولية.‏‏

سادساً: على مستوى الأمة، إن أكبر تحدٍّ نواجهه اليوم هو تحدي الفتنة. كما يحاولون اليوم في لبنان، هم يحاولون على مستوى الأمة. وقد أنجزوا خطوات ومراحل في بعض البلدان العربية والإسلامية، وفي أكثر من بلد عربي وإسلامي، وليس في العراق فقط. هناك محنة، هناك فتنة، هناك انقسامات وخصومات يلجأ البعض فيها إلى المعالجة الدموية، فتسفك دماء هنا وهناك، ويشهر سلاح هنا وهناك، ويمارس عنف وعنف في المقابل. بالتأكيد إن أي تمزق وفتنة وتفتت وتشتت في أي بلد عربي أو إسلامي وعلى مستوى الأمة يخدم عدونا الصهيوني ومشروعه في الهيمنة، ويخدم الشيطان الأكبر، الإدارة الأميركية التي همها وغمّها أن تسيطر على نفطنا وثرواتنا وخيراتنا وأسواقنا، أن نكون مجرد ملايين من العبيد الذين يأكلون ويشربون، لكنهم يعيشون موتى بلا كرامة وبلا شرف. هذا الأمر يستدعي من القيادات والمفكرين والعلماء والأحزاب والحكومات والأنظمة التصرف أيضاً بمسؤولية. (...) ما جرى بالأمس من تفجير بعض الانتحاريين أنفسهم في مساجد وحسينيات أو مواكب حسينية هنا أو هناك، هذا أخطر ما تواجهه الأمة في أي مكان من العالم العربي والإسلامي.. يعني هذا السفك للدماء، يعني هذه الاستهانة بالدماء.‏‏

في موسم الحج سمعت إمام المسجد الحرام في خطبة الجمعة يقول ويدعو الأمة ويحذرها من فتنة التكفير، هذا هو الصحيح. مدخل الفتنة في الأمة هو التكفير، أن يكفر المسلمون بعضهم بعضاً، وهذه أشد محنة. في ثقافة المسلمين وفقههم لو اختلفنا مع بقية أتباع الديانات، ففي الفقه الإسلامي ما يحفظهم ويصونهم، ولكن للأسف الشديد في الفقه الإسلامي عندما ندخل من باب أن يكفر المسلم مسلماً فإننا نضع المسلم المكفر على مشرحة الذبح والقتل. إن باب الشر في هذه الأمة يأتي من باب التكفير، عندما يقف أحدنا ليكفر مجتمعنا بكامله لسبب أو لآخر، هذه كارثة دينية وإنسانية وثقافية وأخلاقية.‏‏

من يستطيع أن يقف ويقول لكم في لبنان إن دستوركم غير إسلامي، وبالتالي مشاركتكم في الانتخابات النيابية المقبلة هي كفر بالله العلي العظيم؟ من له هذا الحق؟ وعلى أي أساس يمارس هذا الحق أياً يكن؟ في لبنان اللبنانيون مسلمون ومسيحيون، وهنا أتحدث عن المسلمين، حتى الإسلاميون العلماء، قادة الحركات الإسلامية في لبنان شاركوا في الانتخابات النيابية سنة 92، ودخلوا إلى المجلس النيابي.. وفي الـ96 والـ2000 فعلوا الشيء نفسه، فهل نقول ان هؤلاء كفرة! وقد سمعنا للأسف بعض هذا الكلام. كيف يجرؤ أحد على أن يقف ويقول ان هؤلاء المشاركين في الانتخابات الفلسطينية كفرة؟ أو المشاركين في الانتخابات البلدية كفرة! الأحزاب الإسلامية من مصر إلى الجزائر إلى الأردن على امتداد العالم العربي والإسلامي إلى تركيا إلى باكستان إلى أندونيسيا، أخذت أغلبها خيار المشاركة في الانتخابات البلدية والنيابية والدخول في العملية السياسية الوطنية، فكيف يحق لأحد أن يقف وبشحطة قلم ليكفر مئات الملايين من المسلمين؟ هل يدرك ماذا يفعل؟ عندما يعلن كفرهم فهو يبيح قتلهم واستباحة أعراضهم وسفك دمائهم، وهذا هو الذي يحصل في أكثر من مكان (...)، وهذا ما يجب أن يدينه كل عالم مسلم وكل حريص على الإسلام وكل من لا يريد أن يقدم خدمات مجانية وبالدم المسلم لأميركا و"إسرائيل".‏‏

يجب على الشيعة والسنة أكثر من أي يوم مضى أن يرفعوا أصواتهم ويتحملوا مسؤولياتهم.. الوفاء لدماء الحسين وجد الحسين نبي الإسلام الذي نؤمن به جميعاً، هو أن نبعد شبح الفتنة وهذه المحنة عن الأمة، ومن يدفع باتجاه الفتنة والمحنة يخدم أميركا و"إسرائيل" ويطعن رسول الله محمداً (ص) في ظهره وفي قلبه وجبينه. هنا المسؤولية كبيرة وتحتاج إلى تحرك وفعل. الشيعة في كل مكان يجب ان يبدوا حرصهم وتفهمهم وتلاقيهم مع إخوانهم السنة، والسنة وهم الأكثرية الغالبة في العالم الإسلامي يجب أن يعلنوا وأن يُبدوا كل تفهم وتلاقٍ مع إخوانهم الشيعة. الشيعة والسنة في لبنان، في العراق، في أي مكان من العالم، في باكستان وفي أفغانستان، يجب أن يعرفوا أننا أهل هذه البلاد، أننا أبناء هذه الأمة، نحن الباقون هنا، أبناؤنا وحفدتنا، أما الغزاة الآتون من الخارج فسيرحلون. البلاد بلادنا والأمة أمتنا والمصير مصيرنا والدم دمنا والكرامة كرامتنا.. يجب أن نتحمل مسؤوليتنا وألا ننسى معرفة العدو والصديق، وأن لا نضيع الموازين.‏‏

في يوم العاشر من محرم يجب أن نؤكد أن عدونا هو هذا العدو الصهيوني الذي يحتل فلسطين وأجزاءً من لبنان وسوريا، أن عدونا هو "إسرائيل". وغير "إسرائيل" في هذه المنطقة هم أهلنا وإخواننا، ويجب أن نتفاهم وأن نتحاور معهم. العدو هو "إسرائيل"، السلاح يجب أن يبقى مشرعاً في وجه هذا العدو. الحقد يجب أن يبقى قائماً فقط في وجه هذا العدو.. وكما كتب شهداؤنا بالدم، وكما في كل عام، نختم أيضاً في هذا العام لنؤكد هوية العدو ونميزه عن الصديق، ونعلن في مسيرتنا وفي مقاومتنا للعدو وللصديق، ليعرف من نعتقد أنه عدونا ومن نعتقد أنه صديق. "إسرائيل" هي عدونا، هذا كيان غاصب غير قانوني، غير شرعي، ولا مستقبل له في أرضنا، ومصيره يعبر عنه دمنا والشعار.. الموت لـ"إسرائيل"، ومن خلف "إسرائيل" تأتي الإدارة الأميركية. عندما أقول أميركا يجب أن أوضح أننا لا نقصد الشعب الأميركي الذي بأغلبيته بعيد وجاهل بما يجري في العالم، وبما تقوم به حكوماته وإداراته وجيوشه في العالم. هذه الإدارة الأميركية نحن نعتبرها عدواً لهذه الأمة، عدواً لشعوب هذه الأمة، لأنها كانت دائماً في موقع الاعتداء والاحتلال ومساندة "إسرائيل" بالسلاح والطائرات والدبابات والمال والدعم السياسي والحماية المطلقة بلا حدود، نعتبرها عدوة لأنها تريد أن تفرض الإذلال على حكوماتنا وأنظمتنا وشعوبنا، ولأنها أكبر ناهب لثرواتنا ونفطنا وخيراتنا، فيما يعيش مئات الملايين من أبناء أمتنا في البطالة والفقر والجوع والعزوبية والجهل والظلام. الإدارة الأميركية هي العدو، وشعارنا الذي رفعناه ولا نخشى أن نكرره في كل عام: "الموت لأميركا".. قد يتساءل البعض ويقول: أليس لهذا العداء من نهاية؟ نعم له نهاية. الصهاينة، فليرحلوا من أرضنا ومقدساتنا، وليعيدوا الأرض والمقدسات إلى أصحابها وينتهي هذا الصراع. أميركا فلتوقف تدخلها في شؤون بلادنا وأمتنا، فلتوقف عدوانها واحتلالها ونهبها لخيراتنا وثرواتنا ونحن لا شأن لنا بها. نحن لا نريد أن نذهب إلى واشنطن لكي نقاتل أميركا. نحن هنا في بلادنا ندافع عن بلادنا وعن وجودنا.‏‏

23-تشرين الأول-2007
استبيان